استعد ثقتك بنفسك

في حياة كل إنسان، تأتي لحظات يشعر فيها بأن إنجازاته قد سُلبت منه معنوياً، ليس لأن الجهد لم يُبذل أو النجاح لم يُحقَّق، بل لأن أحدهم بادر بادعاء الفضل فيما تحقق. تلك اللحظات تزرع بذور الشك بالنفس، وتضعف من حيوية الإنجاز وتُطفئ نوره في القلب. وفي هذه اللحظات الدقيقة، يصبح الحفاظ على الثقة بالنفس ليس مجرد رفاهية نفسية، بل ضرورة وجودية تحافظ على الاستمرارية والتوازن الداخلي.

إليكم الجزء الأول من دليل شامل يقدم سبع نصائح مدروسة ومؤسسة علمياً ونفسياً لاستعادة الثقة بالنفس عندما يُنسب نجاحك لغيرك.

1. الاعتراف الداخلي بالجهد الحقيقي

أول خطوة نحو استعادة التوازن والثقة هي الاعتراف الذاتي بالجهد الذي بُذل. ما من أحد يستطيع أن يدرك حجم التحديات التي واجهتها كما تدركها أنت. قد تكون عملت ليالٍ طويلة، واجهت صعوبات نفسية ومهنية، تخطيت خيبات أمل، وربما حتى ضحيت براحتك الجسدية والنفسية. هذا الوعي الذاتي بالرحلة، لا يحتاج إلى تصديق الآخرين بقدر ما يحتاج إلى احترامك لذاتك.

الاعتراف الداخلي ليس ترفاً، بل هو حاجز نفسي يحول دون التآكل الداخلي الناتج عن تهميش الجهد أو إنكاره. كلما ثبتّ في ذهنك سردية الإنجاز الحقيقي، كلما زادت مناعتك النفسية أمام محاولات سلب الفضل أو تشويش الصورة العامة.

2. فصل الإنجاز عن التقدير الخارجي

في مجتمعاتنا، يرتبط النجاح غالباً بالاعتراف الاجتماعي، ولكن هذا الربط قد يكون فخاً نفسياً. إذ يجعل من التقدير الخارجي معياراً للجدارة، بينما الحقيقة أن النجاح الحقيقي لا يرتبط دائماً بما يراه الآخرون، بل بما تدركه أنت.

حين تدّعي شخصية ما فضل نجاحك، فهي تحاول، عن وعي أو لا وعي، أن تضعف هذا الرابط بينك وبين إنجازك. وهنا يكون من الضروري أن تفصل بين الاثنين: الإنجاز هو حدث فعلي له نتائج واقعية وقياسات يمكن رصدها، بينما التقدير الخارجي هو رأي، وقد يكون صائباً أو مضللاً.

في هذا السياق، يُستحسن أن تمارس ما يُعرف بـ “اليقظة الذهنية”، وهي تمرين ذهني يُعزز الحضور الواعي في اللحظة، ويفصل بين ما هو حقيقي وما هو مجرد ضوضاء عاطفية أو اجتماعية.

3. توثيق مساهماتك بالأدلة

من أقوى الأسلحة التي تُعيد التوازن عند ادعاء الآخرين فضل نجاحك هي القدرة على تقديم أدلة واضحة على ما قمت به. لا يعني ذلك الخوض في جدالات أو صراعات مباشرة، بل يكفي أن تحتفظ بتوثيق مفصل لمهامك، إيميلات، ملاحظات، ملفات، أو أي مخرجات تثبت مساهمتك.

هذه الوثائق لا تُستخدم فقط كدليل دفاعي عند الضرورة، بل تمنحك أيضاً شعوراً داخلياً بالثقة والوضوح. إنها تمنحك سردية موضوعية تستطيع العودة إليها في حال بدأ الشك بالنفس بالتسلل. في سياقات العمل، يمكن توثيق المساهمات من خلال تحديث تقارير الإنجاز الدورية، أو استخدام أدوات إدارة المشاريع التي تُظهر التسلسل الزمني والمهام المنجزة.

4. تحليل نوايا الآخر بموضوعية

في كثير من الحالات، يكون الادعاء بالفضل غير مقصود أو ناجماً عن سوء تفاهم أو اختلاف في تفسير الأدوار. لذلك فإن أول ردة فعل يجب ألا تكون هجومية أو انفعالية، بل تحليلية.

عند تحليل سلوك الطرف الآخر، اسأل نفسك: هل هذه عادته؟ هل يعاني من نقص اعتراف في بيئته؟ هل هو واعٍ لما يقول؟ هذا التحليل يُبعدك عن السلوك الدفاعي ويقربك من استيعاب المشهد ككل.

وفي السياقات المهنية، يساعدك هذا الإدراك على اتخاذ قرار واضح: هل تتجاهل الموقف بحكمة لأنه عابر؟ أم أنه متكرر ويستدعي موقفاً حازماً ضمن آليات التواصل الرسمي؟

5. بناء تحالفات داعمة في محيطك

لا شيء يعزز الثقة بالنفس مثل وجود بيئة داعمة تعترف بمجهودك وتقدّره. في اللحظات التي يشعر فيها الإنسان بالخذلان أو النكران، تصبح شهادات الآخرين ممن يعرفون الحقيقة ذات أثر نفسي بالغ.

يُنصح هنا بالاستثمار في العلاقات المهنية والإنسانية القائمة على الاحترام المتبادل. لا يتعلق الأمر بمجرد إطراء متبادل، بل ببناء شبكة من الأشخاص الذين يعرفون قدراتك، يشهدون على مهاراتك، ويستطيعون التحدث بالحق عند الحاجة.

هذه التحالفات ليست مجرد حماية من سلب الإنجاز، بل هي أيضاً محفزات للنمو الذاتي والتطور المهني المستمر.

6. تطوير سردية نجاحك الخاصة

من أهم الأدوات النفسية التي يمكن امتلاكها هي القدرة على صياغة “قصة نجاحك” الشخصية. سردية النجاح ليست مجرد استعراض ذاتي، بل هي إعادة بناء للحدث من زاويتك الخاصة، بالأدلة والتفاصيل.

اكتب قصة المشروع الذي أنجزته، أو المبادرة التي قمت بها، بضمير المتكلم، ووضح فيها الصعوبات التي واجهتها، الحلول التي ابتكرتها، والنتائج التي حققتها.

هذه الرواية الذاتية تُساعد على تعزيز وضوح الصورة داخلك، وتمنع تآكل الإنجاز بسبب محاولات التهميش أو الادعاء. كما تُشكّل مرجعاً تستند إليه في النقاشات المهنية أو حتى عند تقديم نفسك في مناسبات جديدة.

7. اللجوء إلى الصمت الإستراتيجي عند اللزوم

أحياناً يكون الصمت أكثر بلاغة من الرد. لا تحتاج كل محاولة لسرقة النجاح إلى رد مباشر. فبعض المواقف قد تُثير الجدل أو تُعرضك لاصطدامات غير ضرورية. هنا يأتي الصمت كخيار استراتيجي، يُعبر عن الثقة لا عن الضعف.

الصمت، في هذه السياقات، ليس انسحاباً بل ارتقاء. هو تعبير عن الوعي الكامل بالواقع، والثقة بأن الحقيقة لا تحتاج إلى صراخ، بل إلى ثبات وهدوء داخلي.

يمكن لهذا الصمت أن يترافق مع أفعال أخرى غير مباشرة تثبت ذاتك، مثل الاستمرار في تقديم أداء متميز، أو بناء علاقات جديدة، أو السعي نحو إنجازات أكبر تحسم أي جدل قائم.

في الجزء الأول من هذا الدليل الموسع، تم التطرق إلى سبع وسائل عميقة تعيد لك سيطرتك على ثقتك بنفسك في وجه محاولات سرقة الفضل. ليست هذه النصائح حلولاً سريعة أو تقنيات شكلية، بل هي أدوات معرفية ونفسية تحتاج إلى ممارسة ووعي واستمرارية.

الجزء الثاني سيستكمل رحلة البناء النفسي بأساليب إضافية تتعمق أكثر في الديناميات الاجتماعية والداخلية التي تحافظ على كرامتك وسلامك الذاتي.

المراجع:

1. Brown, B. (2018). Dare to Lead. Random House.

2. Goleman, D. (1995). Emotional Intelligence. Bantam Books.

3. Covey, S. (1989). The 7 Habits of Highly Effective People. Free Press.

4. Neff, K. (2011). Self-Compassion: The Proven Power of Being Kind to Yourself. William Morrow.

5. Dweck, C. (2006). Mindset: The New Psychology of Success. Random House.